العمل بالحديث الصحيح ميزة أهل الحديث
ابو عبد العزيز محمد يوسف محمد عمر
المدرس بجامعة الإمام البخاري بكشن غنج ، بيهار
من الحقائق الثابتة في ديننا الإسلام أن العمل هو الركن الركين و الأصل
الأصيل بعد الإيمان والتوحيد وأن الحديث الصحيح هو المصدر الثاني الأساسي لهذا
الدين لأنه شرح لكلام الرحمن والعمل بالقرآن لايكتمل بدون العمل بالحديث الثابت
فالإسلام الصحيح هو العمل بالكتاب والحديث الصحيح والتمسك بهما تمسكا من غير تأويل
وتحريف .
ومن رحمة الله تعالى على أهل الإسلام أنه ألهم رجالا من عباده – عرفوا
بالمحدثين وأهل الحديث – حفظ هذا المصدر الثاني العظيم فأرسوا قواعد وضوابط وأصولا
له وعلى ضوء ها استطاعوا الحفاظ عليه من الدخيل والخبيث فميزوا الصحيح من الضعيف
والثمين من الغث ، وهؤلاء الرجال العظام كما اعتنوا به بالحفاظ عليه اهتموا بحفظه
في الصدور وبالعمل به بالجوارح وهذا العمل أصبح ميزة وخصيصة لهم بفضل الله وبها
أكرمهم وفضلهم على كثير من عباده وصاروا متميزين بين الآخرين.
يقول الشيخ عبد السلام المباركفوري في " سيرة الإمام البخاري
" ص 137 : " مصدر السنة هو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكان
أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين إليهم المنتهى في حبهم له صلى الله عليه وسلم
واتباعهم لسنته مالا يمكن أن يقاس أو يقدر، وصحبهم التابعون رحمهم الله فاصطبغوا
بصبغتهم وتخلقوا بأخلاقهم ، فكانوا يتفانون في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم قريبا مما وجدوه لدى الصحابة رضي الله عنهم ، واستمر الحال على ذلك حتى آل
الأمر إلى المحدثين ، ولا نستطيع أن ندعي أن جذوة الحب والحماس التي كانت تؤقد في
الصحابة بقيت في جميع التابعين أو انتقلت إلى كل المحدثين ، ولكن مع ذلك فالحماس
الذي كان يوجد لدى المحدثين للتمسك بالسنن والعمل بهما يعتبر من الغرائب في يومنا
هذا ".
قال وكيع بن الجراح – أحد كبار المحدثين - : " إذا أردت أن تحفظ
حديثا فاعمل به ".
وكان الإمام المحدث إبراهيم بن إسماعيل يقول : " كنا نستعين على
حفظ الحديث بالعمل ."
وفعلا كان السلف الصالح رحمهم الله حريصين أشد الحرص على العمل بالحديث
النبوي وسباقين إلى الالتزام والتمسك به وإليكم بعض النماذج :
هذا الإمام المبجل الشافعي – وهو القدوة للناس – لما قال له رجل : يا
أبا عبد الله تأخذ بهذا الحديث ؟ فقال : متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديثا صحيحا ولم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب ".( تاريخ الإسلام للذهبي ص
321 ، من أعلام السلف : 2/128 )
واسمع ما يقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني – وهو فقيه في
الحديث ، متبع ، يتبع الآثار ، صاحب سنة وخير - : " ما كتبت حديثا عن النبي
صلى اله عليه وسلم إلا وقد عملت به ، حتى مر بي في الحديث أن النبي صلى اله عليه
وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فأعطيت الحجام دينارا ". ( المنهج الأحمد
1/24 ، من أعلام السلف :2/234 )
وانظر إلى أمير المؤمنين في الحديث صاحب الجامع الصحيح الإمام البخاري
يقول فيه وراقه : " كنا بفربر وكان أبوعبد الله – البخاري – يبني رباطا مما
يلي بخارى ، فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك وكان ينقل اللبن فكنت أقول له : يا
أبا عبد الله إنك تكفي ذلك ، فيقول هذا الذي ينفعني".( هدي الساري : 505)
ولاشك في أنه كان يتأسى في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شارك الصحابة
الكرام في حفر الخندق وكذلك في بناء المسجد النبوي . والرمي
مع أنه ليس من اختصاص العلماء ولكن لما كانت السنة قد وردت به كان الإمام البخاري
يركب إلى الميدان للتدرب على الرمي ، وكان من شدة مهارته لا يخطي الهدف .( سيرة
الإمام البخاري ، من أعلام السلف : 2/277 )
وخذ نموذجا حيا في عهدنا الحاضر لاتباع السنة وإحياءها وحبها وذلك أن إقامة
صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة الثابتة من هدي النبي صلى اله عليه
وسلم ولكن الامتثال بهذه السنة السنية كان مهجورا في كثير من البلاد الإسلامية
وكان الناس يهتمون بأدائها في المساجد فأحياها بطل من أبطال هذه الأمة ومحدث من
محدثيها وفقيه من فقهاءها ألا وهو المجدد الإمام محمد ناصر الدين الألباني الذي
يقول في هذا الصدد :" ... وبدأت أدعو من حولي من إخوتي وأصحابي إلى تصحيح
العقيدة وترك التعصب المذهبي ، وأحذرهم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وأرغبهم
في إحياء السنن الصحيحة التي أماتها حتى الخاصة منهم ، وكان من ذلك إقامة صلاة
العيدين في المصلى في دمشق ، ثم أحياها إخواننا في حلب ، ثم في بلاد أخرى في سوريا
، واستمرت هذه السنة تنتشر حتى أحياها بعض إخواننا في عمان / الأردن ." (
الصحيحة :7/616 )
وانظر إلى كثير من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة لا يعمل ويمتثل بها
إلا المحدثون وأهل الحديث ومن رزق بحب الحديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن
السنن المشهورة رفع اليدين في الصلاة ، وأداء الوتر ركعة واحدة ، والقيام بإحدى
عشر ركعة في التراويح ، والمسح على الجوارب ، والتورك في التشهد الأخير، والإشارة
بالمسبحة في التشهد وغيرها من السنن لا يعمل بها إلا هذه الطائفة المنصورة
المباركة فحقا بالعمل بالحديث الصحيح والامتثال بالسنن الثابتة ا متازوا عن
الآخرين .
ولكن كلما مرت العصور وتقادم الزمن بدأت عزيمة العمل تضمحل ورغبة
الامتثال تضعف في جميع أوساط المسلمين : خواصهم و عوامهم فالإهمال والتكاسل قد
تسرب إليهم ألا ترى إلى السنة الثابتة في صحيح مسلم (ح 1226) الإقعاء على العقبين
كم من الناس يعمل بها ؟ وقد قال طاوس : قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين ،
فقال : هي السنة . فقلنا له : إنا لنراه جفاء بالرجل . فقال ابن عباس : بل هي سنة
نبيك صلى الله عليه وسلم ".
وأداء السنن الرواتب والنوافل في البيوت كم من الناس يهتم به سواء
العلماء والطلبة بله العوام ، ترى جلهم يؤدونها في المساجد مع أن أداءها في البيوت
هو الأفضل والأولى بنص الحديث .
وقول " سبحان الملك القدوس " ثلاث
مرات يطيل في آخرهن بعد
التسليم من صلاة الوتر أصبح العمل به عنقاء في هذه الأعصار إلا من رحم الرب .
(سنن النسائي :1699 )
وعند تسوية الصفوف قد وردت السنة الصحيحة بإلزاق الكعب بالكعب وإلصاق
القدم بالقدم (صحيح البخاري : 692 ) وترى بعض الناس يريدون الاهتمام به ولكن بصورة
لا تنطبق عليها ألفاظ الحديث فإنهم لا يلزقون الكعب بالكعب بل يلصقون الخنصر
بالخنصر والبعض يكتفي بمحاذاة القدم بالقدم ويؤول الإلزاق والإلصاق ! فأين الحديث
والعمل به ؟
وقد ثبت بالحديث الصحيح دعاء للعروس ألا وهو" بَارَكَ
اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ
بَيْنَكُمَا فِى خَيْرٍ"
(سنن أبي داود : 2132 ) ولكن الناس في واد والدعاء النبوي في واد ، فإنهم – كما هو
المشاهد في بيئتنا - لما انتهوا من عقد النكاح يرفعون أيديهم ويدعون بأدعية لا صلة
لها بالمقام والحال .
وهكذا ترى كثيرا من السنن والأعمال الثابتة بالآثاروالأحاديث الصحيحة قد
هجر العمل بها وتغافل الناس عنها بل نسوها وكأنها تبكي وتنعى ، ولا شك إنه عيب على
الذين ينتمون إلى الحديث ويدعون الامتثال به ! فأين المنتسبون إلى الرسول وأين
العاملون بهديه وسنته ؟ والدعاوي إذا لم تقم البينة عليها فارغة . فهلموا يا أهل
الحديث إلى العمل به والحب له فإنه خصيصة لكم وميزة وسمة بارزة لحياتكم زينكم الله
بها وفضلكم على كثير من خلقه . ولا تنحرفوا من جادة السلف والمحدثين بترك العمل
بالسنن وهل النجاة إلا فيه وفي اقتفاء آثارهم وهديهم ؟ وفقنا الله تعالى بالعمل
بهدي نبيه وصلى عليه وسلم.
Comments
Post a Comment